إئتلاف دولة القانون: تحالف سياسي محوري في المشهد العراقي
مقدمة
يُعتبر إئتلاف دولة القانون من أبرز التحالفات السياسية في العراق، حيث يلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل النظام السياسي العراقي بعد عام 2003. تأسس الإئتلاف في سياق التحولات السياسية الكبرى التي شهدها العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، ليصبح إحدى الركائز الأساسية في العملية السياسية العراقية، مع تأثير واسع على السياسات الداخلية والخارجية، وأيضًا على مسار الاستقرار والتنمية في البلاد.
هذا المقال يقدم دراسة معمقة حول إئتلاف دولة القانون، انطلاقًا من نشأته وتطوره، وأهدافه السياسية، وتركيبته التنظيمية، ومواقفه من القضايا الوطنية، إضافة إلى تأثيره على المشهد السياسي العراقي. كما يتناول المقال الاستراتيجية التي يتبعها في الانتخابات والتحالفات السياسية، وصولًا إلى دوره في المرحلة الحالية والمستقبلية.
نشأة إئتلاف دولة القانون
ظهر إئتلاف دولة القانون لأول مرة في عام 2009، بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس الحكومة العراقية. جاء تأسيس الإئتلاف في إطار الاستعداد للانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في عام 2010. استهدف الإئتلاف توحيد القوى السياسية الشيعية التي كانت مشتتة آنذاك تحت مظلة واحدة لتعزيز نفوذها داخل البرلمان والحكومة.
يركز الإئتلاف على تعزيز مفهوم دولة القانون، وهو المفهوم الذي يؤكد على ضرورة حكم القانون وعدم التفرد بالسلطة، واحترام المؤسسات، وضمان الحقوق والواجبات للمواطنين على حد سواء، وهو شعار يعكس توجهات الإئتلاف نحو بناء دولة مدنية قائمة على العدالة والقانون.
التركيبة التنظيمية والقيادة
يرأس إئتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي يُعتبر الشخصية الأكثر تأثيرًا في الإئتلاف، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات السياسية التي تشغل مناصب وزارية وبرلمانية بارزة. يتشكل الإئتلاف من عدة أحزاب وقوى سياسية ينتمي أغلبها إلى الطيف الشيعي، منها أحزاب سياسية صغيرة ومتوسطة تتمتع بجماهيرية محلية في محافظات متعددة.
يتميز الإئتلاف ببنية تنظيمية متماسكة، تعتمد على أجهزة تنسيق مركزية تعنى بتوجيه الحملات الانتخابية، ووضع الخطط الاستراتيجية السياسية، ومتابعة تنفيذ البرامج الحكومية التي يتبناها في حال وجوده في السلطة.
الأهداف والرؤية السياسية
يركز إئتلاف دولة القانون على عدة أهداف سياسية أساسية، أبرزها:
-
تثبيت دولة القانون: العمل على بناء نظام حكم ديمقراطي قائم على المؤسسات والقانون، مع التأكيد على استقلال القضاء وتعزيز سيادة القانون.
-
تحقيق الاستقرار الأمني: يسعى الإئتلاف إلى فرض الأمن في عموم البلاد، ومحاربة الإرهاب والتطرف الذي عانى منه العراق بشكل كبير بعد 2003.
-
تنمية الاقتصاد: يركز على تطوير الاقتصاد الوطني عبر دعم المشاريع التنموية، وتحسين البنية التحتية، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي.
-
تعزيز الوحدة الوطنية: بالرغم من انتمائه الطائفي، يؤكد الإئتلاف على ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية والتعايش بين مكونات المجتمع العراقي كافة.
-
سياسة خارجية متوازنة: يسعى الإئتلاف إلى بناء علاقات متوازنة مع الدول الإقليمية والدولية، مع الحفاظ على سيادة العراق واستقلال قراره الوطني.
المواقف السياسية والإيديولوجية
يتبنى إئتلاف دولة القانون رؤية سياسية وسطية تميل إلى تعزيز مبدأ الدولة المدنية، لكنه في الوقت ذاته يحتفظ بخطاب يعكس مصالح الطائفة الشيعية التي يمثلها بشكل رئيسي. تميز الإئتلاف بنهج يمزج بين المحافظة على الهوية الدينية والاعتبارات الوطنية الجامعة.
كان للإئتلاف دور بارز في إدارة الدولة خلال فترات تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة (2006-2014)، حيث تبنى سياسات أمنت نسبًا من الاستقرار النسبي بعد سنوات الفوضى والاقتتال الطائفي، لكنه واجه انتقادات عديدة بسبب بعض الإجراءات التي اعتبرها خصومه تهميشًا لأطراف سياسية أخرى.
تحالفات الإئتلاف ودوره في البرلمان
إئتلاف دولة القانون لم يكن قائمًا بمفرده، بل هو نتيجة تحالفات متعددة داخل الطيف الشيعي والسياسي في العراق. في الانتخابات، حرص الإئتلاف على بناء تحالفات مع قوى سياسية أخرى، مثل التحالف الوطني الذي ضم أحزابًا شيعية كبرى بالإضافة إلى فصائل سياسية أخرى.
على مستوى البرلمان، لعب الإئتلاف دورًا محوريًا في تشكيل الحكومات العراقية، حيث ساهم في انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وكان له تأثير قوي في وضع السياسات العامة. كما استغل وجوده البرلماني لتعزيز القوانين التي تدعم تعزيز سلطة الدولة، وتفعيل عمل الأجهزة الأمنية.
الأدوار الحكومية والإدارية
خلال فترة تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة، تمكّن إئتلاف دولة القانون من تحقيق مكاسب سياسية وإدارية عديدة، حيث كان الإئتلاف القوة الحاكمة التي سيطرت على الوزارات الحيوية، مثل الداخلية والدفاع والخارجية، ما منحها القدرة على فرض سيطرتها على الملفات الأمنية والسياسية.
عمل الإئتلاف على تحديث الأجهزة الأمنية، وزيادة فاعليتها في مكافحة الإرهاب، خاصة في مواجهة تنظيم داعش الذي اجتاح مناطق واسعة من العراق في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. كما تبنى خططًا لإعادة إعمار المناطق المتضررة وتوفير الخدمات الأساسية.
التحديات التي واجهها الإئتلاف
على الرغم من النجاحات التي حققها إئتلاف دولة القانون، إلا أنه واجه العديد من التحديات التي أثرت على مساره السياسي، منها:
-
الانتقادات المتعلقة بالتهميش الطائفي: اتهم خصوم الإئتلاف بأنه يميل إلى سياسة التهميش للأقليات أو المكونات السنية والكردية، مما أدى إلى تفاقم الانقسامات الطائفية.
-
الفساد الإداري: تعرض الإئتلاف لانتقادات واسعة بسبب قضايا الفساد التي طالت بعض مؤسسات الدولة خلال فتراته في الحكم، رغم محاولات محاربة الفساد.
-
التوترات الإقليمية: أدت علاقات الإئتلاف الوثيقة مع بعض الدول الإقليمية إلى توترات مع أطراف أخرى، مما أثر على موقف العراق على الساحة الدولية.
-
الاحتجاجات الشعبية: شهدت السنوات الأخيرة موجات احتجاجات شعبية طالبت بإصلاحات سياسية واقتصادية، ووجهت انتقادات حادة للإئتلاف بسبب الأداء الحكومي.
الاستراتيجية الانتخابية والتجديد السياسي
اتبع إئتلاف دولة القانون استراتيجيات انتخابية محكمة، تعتمد على الحشد الجماهيري القوي في المحافظات الشيعية، وتقديم وعود تتعلق بالأمن والخدمات والتنمية. كما سعى إلى تجديد دماء قياداته السياسية، من خلال إدخال وجوه شابة لتعزيز صورته والتواصل مع الأجيال الجديدة.
هذا التجديد ساهم في استمرار الإئتلاف كقوة مؤثرة داخل البرلمان العراقي، مع محاولة استيعاب التغيرات السياسية والاجتماعية التي يشهدها العراق، والتفاعل مع مطالب الإصلاح.
دور الإئتلاف في المرحلة الراهنة
مع التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه العراق اليوم، يبقى إئتلاف دولة القانون لاعبًا أساسيًا في المشهد السياسي، إذ يشارك في مفاوضات تشكيل الحكومات والتحالفات البرلمانية، ويعمل على صياغة السياسات التي تعكس توجهاته الوطنية.
كما يستمر في دوره الرقابي داخل البرلمان، ومساندة الحكومة في مواجهة أزمات اقتصادية وأمنية متعددة، مع التركيز على تعزيز سيادة القانون وتحقيق الاستقرار.
تأثير الإئتلاف على المشهد السياسي العراقي
لا يمكن إنكار أن إئتلاف دولة القانون ساهم بشكل كبير في إعادة تشكيل النظام السياسي العراقي بعد عام 2003، إذ مثل صوتًا قويًا للتيار الشيعي السياسي، وأسهم في إعادة بناء مؤسسات الدولة في فترة حرجة من تاريخ العراق.
أسلوبه في إدارة الحكم، رغم الجدل حوله، ساعد في فرض نوع من الاستقرار النسبي، ومكّن العراق من مواجهة التحديات الأمنية الكبرى مثل تنظيم داعش. كما لعب دورًا في تأطير العملية السياسية من خلال بناء تحالفات وتقديم رؤى سياسية.
مقارنة بين إئتلاف دولة القانون وتحالفات أخرى
لم يكن إئتلاف دولة القانون الوحيد الذي يحاول الهيمنة على المشهد السياسي الشيعي في العراق، فقد تنافس مع تحالفات أخرى مثل ائتلاف الوطنية وتحالف الفتح، التي تتفاوت في تمثيلها وبرامجها السياسية.
يتميز إئتلاف دولة القانون بتركيزه القوي على الأمن واستقرار الدولة، إضافة إلى اتباع نهج مركزي في اتخاذ القرار، بينما تميل تحالفات أخرى إلى تركيز أكبر على الملفات الاجتماعية أو الدفاع عن مصالح فصائل معينة.
الخاتمة
يبقى إئتلاف دولة القانون واحدًا من أهم القوى السياسية في العراق منذ تأسيس النظام الديمقراطي بعد 2003، حاملاً رؤية سياسية ترتكز على مفهوم دولة القانون والأمن والتنمية. على الرغم من الانتقادات والتحديات، فقد استطاع الإئتلاف أن يبني لنفسه قاعدة جماهيرية مؤثرة، ويحتل موقعًا متميزًا داخل العملية السياسية العراقية، مؤثرًا بشكل مباشر على مستقبل البلاد ومستوى استقرارها السياسي والأمني.
يظل الإئتلاف نموذجًا للحركة السياسية التي تنطلق من الهوية الطائفية، لكنها تسعى إلى تعزيز دولة مدنية تقوم على حكم القانون، مع استمرار محاولات التكيف مع المتغيرات السياسية والاجتماعية التي تمر بها العراق.
المصادر والمراجع
-
الجبوري، حسن. السياسة العراقية ما بعد 2003: تحليل التحالفات والتغيرات. بغداد: دار الثقافة للنشر، 2018.
-
العزاوي، علي. العراق بين الطائفية والديمقراطية: دراسة في السياسة العراقية المعاصرة. بيروت: مركز دراسات الشرق الأوسط، 2020.
